في اللحظة التي يشتعل فيها الشارع، هناك دائماً من يكون بعيداً عن الدخان.
يجلس في غرفة دافئة، يتصفح الأخبار بهدوء، ويتابع حياته الآمنة.
كلمات قليلة، خطاب عاطفي مشحون، ونداء إلى “الكرامة” أو “الحقوق”.. وبعدها تُترك المدن لتدفع الثمن. هذا هو المشهد المتكرر حين يتحول التحريض من الخارج إلى وقودٍ لأزمات الداخل.
الحديث هنا ليس عن حق الناس في التعبير، ولا عن شرعية المطالب الاجتماعية أو السياسية، بل عن فئة محددة.. محرضون يعيشون خارج البلاد، يدعون إلى الاحتجاج والتصعيد، بينما هم بمنأى عن نتائجه. لا ينامون على صوت الرصاص، ولا يقلقون على طفلٍ تأخر عن العودة إلى البيت. ومع ذلك، يقدمون أنفسهم أوصياء على الغضب العام.
ما الذي يستفيده هؤلاء؟
في الغالب، مكاسب رمزية لا أكثر، حضور إعلامي، زعامة افتراضية، أو ورقة ضغط سياسية تُستخدم في مفاوضات أو اصطفافات إقليمية. بعضهم يعتقد أن إشعال الشارع يمنحه “شرعية” تمثيل، وبعضهم الآخر يتغذى على الانقسام ذاته، لأن الصراع يطيل عمره السياسي. لكن ما لا يدفعونه هم، يدفعه المجتمع كاملاً.
أول الخسائر تكون في النسيج الاجتماعي. حين يُحرَّض الناس من الخارج، غالباً ما يكون الخطاب مبسطاً وحاداً، يقسم المجتمع إلى “مع” و“ضد”، ويحوّل الخلاف السياسي إلى شرخ اجتماعي أو طائفي. هذا الشرخ لا يُغلق بسهولة، حتى لو توقفت الاحتجاجات. تبقى الشكوك، وتضعف الثقة، ويصبح التعايش أكثر هشاشة.
الخسارة الثانية تطال مسار الدولة واقتصادها. أي اضطراب أمني أو اجتماعي، حتى لو بدأ بمطالب محقة، ينعكس مباشرة على الاستثمار، العملة، الخدمات، وفرص العمل. العامل البسيط، التاجر الصغير، والطالب… هؤلاء هم من يدفعون ثمن تعطيل الطرق، إغلاق الأسواق، وتجميد المشاريع. أما المحرّض البعيد، فيكتفي بتحليل النتائج.
ثم تأتي الخسارة الأعمق.. العقد الاجتماعي، الدولة، أي دولة، تقوم على حد أدنى من التوافق بين المجتمع ومؤسساته.
حين يُدفع الناس إلى مواجهة مفتوحة دون أفق واضح أو قيادة مسؤولة على الأرض، يتآكل هذا العقد.
يتحول الغضب إلى فوضى، والفوضى إلى يأس، واليأس إلى قطيعة طويلة الأمد بين المواطن والدولة.
الاحتجاج، حين يكون نابعاً من الداخل، منظماً، ومسؤولاً، يمكن أن يكون أداة إصلاح، أما حين يُدار من الخارج، بخطاب حاد ووعود فضفاضة، فهو غالباً أداة استنزاف. استنزاف للناس، للاقتصاد، وللقدرة على بناء مستقبل مشترك.
السؤال الإنساني البسيط الذي يجب أن يُطرح دائماً: هل من يدعو إلى التصعيد مستعد لدفع ثمنه مع الناس؟
إن لم يكن الجواب نعم، فكل خطابٍ حماسي، مهما بدا أخلاقياً، يتحول إلى عبءٍ أخلاقي على المجتمع نفسه.
مجتمع
من خارج الحدود.. حين تُدار الفوضى عن بُعد
11

مقالات ذات صلة

حرس الحدود يعتقل 5 أشخاص حاولوا الدخول إلى طرطوس بطريقة غير شرعية
أوقف حرس الحدود محاولة تسلل غير شرعية إلى الأراضي السورية في ريف طرطوس، واعتقل 5 أشخاص، بينهم عناصر من النظام المخلوع، وفق ما أفادت به إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع.
113

أثناء عودتهم إلى سوريا.. غرق 11 سوري على الحدود اللبنانية السورية
تعرض 11 مواطناً سورياً للغرق في النهر على الحدود اللبنانية - السورية أثناء عودتهم إلى سوريا من لبنان، بينهم رجل مسن و5 أطفال وسيدتان.
138

بين التخوّف والطمأنة: توضيحات قضائية بشأن وصاية الأم السورية
في ظلّ حالة من التوجّس والقلق التي اجتاحت شريحة واسعة من الأمهات في سوريا
141

شوربة الماء والحشائش.. اختراعات السوريين لملء البطون وسط مجاعة صامتة
في ظل واحدة من أشد
الأزمات الاقتصادية تدميراً في تاريخ سوريا، تحولت الحياة اليومية لغالبية السكان إلى
معركة يومية
158

افتتاح 15 مدرسة بريف دمشق بعد ترميمها وتأهيلها
افتتحت وزارة التربية والتعليم، بالتعاون
مع منظمة "وورلد فيجن إنترناشونال" 15 مدرسة في محافظة ريف دمشق
129
