اقتصاد

التحول المفاجئ من اقتصاد مغلق إلى مفتوح أربك الأسواق.. لماذا لم يشعر المستهلك ببحبوحة اقتصادية؟

41
ul

خاص ـ سيريا ون


بعد مرور عام على التحرير لم يشعر المواطن ببحبوبة اقتصادية تكسو حياته بالرغم من انفتاح السوق، ووفرة السلع، وزيادة حقيقية وكبيرة في الرواتب، وانخفاض بعض السلع الاستهلاكية، وهذا يعود لعوامل هيكلية ونقدية متشابكة ومعقدة، لكنها قابلة للحلحلة وتتطلب فترة من الوقت حتى يشعر المستهلك بفارق واختراق إيجابي في حياته المعيشية.


ضغوط معيشة ومراوحة

ويؤكد العديد من المواطنين أنه كان من المفترض أن يشعر المستهلك بفرق وتحسن في الحياة المعيشية بعد الزيادة التي وصفوها بالمجزية في الأجور والرواتب، لكن الوضع بالنسبة لهم مايزال يراوح مكانه، وقد يتراجع للوراء بعض الأحيان في ضوء الضغوط اليومية المعيشية والنفقات المختلفة التي تطفو على سطح حياتهم بين الحين والآخر.

إلى ذلك تؤكد حركة السوق أن التجار يواجهون حالة من الالتباس وعدم اليقين بشأن الوضع الاقتصادي الراهن، خاصة التذبذب في سعر الدولار، وانتظار فواتير الكهرباء الجديدة، وهذا الغموض، والتذبذب يجعلهم غير قادرين على احتساب التكلفة النهائية بدقة، فيلجأون إلى تسعير متحفظ يرفع الهامش تحوطا للمخاطر والخسائر المحتملة، وتذبذب سعر الدولار.

بينما يشدد التجار على أن أي انخفاض ملموس يشعر به المستهلك يتطلب فترة زمنية ليست قصيرة، حتى يستقر سعر الصرف، وتتحدد الكلفة الحقيقية للبضائع بعيدا عن الاضطرابات اليومية.

ماهي المشكلة الحقيقية ؟

وبعد عام من قرار فتح المعابر وتسهيل دخول البضائع، يقول التجار إنه على الرغم من أن هذا القرار أحدث تحسنا في آليات التسعير وسمح بقياس دقيق لتكلفة المستوردات إلا أن هذا الانخفاض الفعلي في أسعار السلع على مستوى المستوردين وتجار الجملة لم ينعكس مباشرة على المستهلك النهائي.

وفي هذا الإطار أكد الخبير الاقتصادي محمد حلاق نائب رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق السابق أنه تم الانتقال من اقتصاد إلى اقتصاد آخر مختلف بشكل مفاجئ جدا، بعد انتصار الثورة والتحرير، لافتا إلى أن المشكلة الحقيقية عادة عندما تنتقل الاقتصاديات من اقتصاد إلى آخر، وفي أي دولة يتم فيها ذلك يكون ذلك بالتدريج أو لايكون موجود كميات البضائع الكبيرة جدا، والشح السابق جدا.

وأوضح حلاق أن سوريا عانت من شح كبير جدا في مرحلة ما من البضائع ما قبل التحرير، وفجأة بعد التحرير انتقلنا إلى مرحلة معاكسة تماما ترافقت مع وفرة كبيرة وتدفق في البضائع بأشكال وأنوان مختلفة.

سحب الكتلة النقدية

وأشار حلاق إلى أنه رافق وتزامن هذا الوضع مع دخول منتجات كثيرة من الشمال ومن الغرب والشرق بوكالات ودون وكالات، وكان لها تأثير كبير على الاقتصاد الوطني، من حيث كمية وكثافة الموجودات، يضاف إلى ذلك ضغوضات شديدة تمثلت بالسيارات، وما آل إليها من سحب للكتلة النقدية من أيدي مواطنين نتيجة رغبتهم في امتلاك سيارة، وهي بالنسبة للجميع ضرورة انتقال .

ولفت حلاق إلى أن هذه الأمور أدت إلى أنه فجأة وخلال فترة زمنية قصيرة جدا تغيرت العادات الاستهلاكية وأنماط الاستهلاك، وظروف الاستهلاك، وأنواع المواد المستهلكة بشكل مختلف تماما، وأكد حلاق أنه تم الانتقال الاقتصادي من مرحلة لمرحلة دون وعي بسبب سياسات النظام المخلوع الاقتصادية التي أدت لعملية (الشح) والتي تركها خلفه هذا النظام، مافرض بشكل اضطراري التحرك نحو  نظام اقتصادي آخر.

وقال حلاق "نظام اقتصاد السوق نحن معه، لكن ضمن ضوابط وقواعد، مشيرا إلى أنه في الشهور الثلاثة الأولى بعد التحرير استمرت مرحلة الفوضى، وهي أمر طبيعي، فوضى أسعار، فوضى أسواق، فوضى دخول المواد بشكل صحي وغير صحي، وصحيح وغير صحيح، وغدا واضحا تذبذب الأسعار بشكل لافت، مع رغبة شديدة من المستهلك في الاستهلاك بشكل كبير جدا".

وأوضح حلاق أن كل ماتقدم أدى إلى خلال هذه الفترة إلى وجود ضعف، ونحن نعلم أن مستوى الدخل في سوريا منخفض، وتوقع المواطن أن يوازي ارتفاع الأجور عملية خفض مرتقبة في الأسعار، وتزيد بالتالي القوة الشرائية، لكن ماحصل عكس ذلك، فالرواتب ارتفعت، لكن النفقات والمصاريف والأعباء ارتفعت من ٣ إلى ٤ أضعاف.

أنماط الاستهلاك

ونوه حلاق إلى أنه في مجال الغذاء والكساء والالكترونيات، والسيارات انخفضت الأسعار بلا شك، لكن المواطن كان حساباته في ادخار النقود من أجل الغذاء، وعلى سبيل المثال عندما استطاع شراء سيارة، أصبحت هنالك مصاريف   واعباء، ونفقات إضافية في الحياة، واختلف مع ذلك فجأة اسلوب وأنماط الاستهلاك لدى المواطنين، مبينا أنه عندما يصبح هنالك خلل في المنظومة الاقتصادية، ويكون بهذا الشكل بسبب الانتقال من اقتصاد

سوق إلى آخر، من إغلاق بشكل كامل، إلى انفتاح بشكل كامل، يؤدي إلى تشابكات كبيرة جدا.


وأضاف أنه بمكان ما الصناعة السورية تأثرت بشكل كبير جدا، واضطر بعض الصناعيين لإغلاق مصانعهم نتيجة رخص المواد القادم من خارج البلد، وميل المواطن للمنتج الأجنبي، لعدم معرفته أن المنتج الوطني يخضع لسياسة خدمة مابعد البيع، وسياسة السمعة، والمحافظة على الجودة، لافتا إلى أن المستهلك انتقل لاستعمال السلعة الأجنبية التي يتوقعها (معمرة)، لكنها على عكس ذلك، وبمكان ما اضطر المستهلك لتبديل اختياراته وتغيير أنماطه الاستهلاكية.

ولغاية الآن يعتقد حلاق أن المستهلك لم يستوعب فكرة الانتقال من اقتصاد سوق، إلى اقتصاد سوق مرهق ومتعب بشكل كبير جدا نتيجة هذه الفوضى، مجددا التأكيد على أن هذا الأمر طبيعي، وقال إن الامتيازات التي يحصل عليها أي اقتصاد يتحرر، تتمثل في أن التنافسية تصبح أعلى، والوفرة أكثر، وينتج انخفاض أسعار أكثر للمواد، وبالتالي تتعد الخيارات عند المستهلك، ويصبح قادرا على تحديد هذه الخيارات وانماط استهلاكه أكثر .

الرغبة في التقليد

وبين حلاق أن المشكلة التي يقع فيها المستهلك أنه يصبح لديه خيارات أوسع، وإشباع للرغبات الاستهلاكية بشكل أكبر بعض النظر عن التوازن الذي يجب أن يحققه بين المدخلات والمخرجات، بين الراتب والنفقات، لافتا إلى أنه هناك في الحياة مايعرف الرغبة بالتقليد في الشراء لكل ماهو جديد، فالمستهلك السوري مقلد، ضمن امكانيات محددة، وهذه الأنماط تأخذ وقتا لتستقر، موضحا أنه لغاية الآن هذه الأنماط لم تستقر، ونحن أمام مواجهة مفاجآت أكبر، والمشكلة الحقيقية اليوم المستهلك بمكان ما انخفضت عليه الأسعار، مثل الغذائية، وبعض المنتجات الأخرى، لكن نسبة إلى الدولار بالشكل الفعلي لم تنخفض كل السلع، والمشكلة الحقيقية التي يعاني منها السوق هو نزول السعر عند المستورد أو الصناعي لكن لاينعكس على المستهلك بشكل كبير جدا.

وضرب الحلاق مثالا بقوله إن السلع التي كانت تباع ب١٠٠ ألف، أصبحت تباع بعد التحرير ب ٥٠ أو ٦٠ ألف، إذا كنا موضوعيين، والمشكلة عندما أصبح الدولار ب ٩٠٠٠ آلاف أصبحت ب٦٠ ألف، وعندما ارتفع الدولار إلى ١٢٠٠٠ ألف أصبحت ب ٧٥ ألف، لكن نتيجة الوفرة قام المستوردون بتخفيض أسعارهم أكثر من ١٥ إلى ٢٠ بالمئة، لافتا إلى ذلك لم ينعكس انخفاضا على ال ٧٥ ألف، وما تزال السلعة تباع ب٧٥، وسبب هذا الأمر هو ارتفاع النفقات الغير محسوبة من المحروقات والنقل والاتصالات والكهرباء، وهي أمور لايمكن تجاهلها.

ورأى حلاق أنه لكي يرجع السوق يعيد يضبط نفسه بنفسه ويعود للتوازن هذا يحتاج إلى وقت، ودخل، وفرص عمل، وهذا يتطلب صناعة منتجة، وزراعة تؤمن وفرة في الإنتاج، وهي المشكلة الحقيقية التي نعاني منها اليوم، فنحن بحاجة لزيادة الدخول عن طريق تشغيل المعامل والمصانع، منوها أن المصانع تعاني نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات والكهرباء، وسواها، أضف إلى ذلك النفقات والمصاريف، وهذا الوضع عبارة عن سلسلة لاتعرف بدايتها في بعض الأحيان.

تدوير الإنتاج والترشيد

ونبه حلاق إلى ضرورة إعادة الإنتاج ودورانه، ومن خلال ذلك يمكن معرفة مفاصل الخلل ونقاط الضعف، وكيف يمكن بناء عملية الترشيد، مؤكدا أن المجتمع السوري بحاجة لإعادة ضبط أنماط الاستهلاك، وإعادة الترشيد، وإعادة استهلاك المنتجات المحلية المكافاة للمستوردات الأجنبية بالشكل الأمثل، ونعمل لصناعة وفرص عمل، وهذه حلقة كلما توسعت كلما كانت الفائدة أكبر، وقال "لاحظنا من بعد التحرير أن الأسعار وللأسف ارتفعت لأن المحروقات توفرت لكن زادت أسعارها بشكل كبير، والنفقات الأخرى صارت عبئ على المستهلك بسبب أنماط استهلاك مختلفة، ولإعادة ضوابط لكل ذلك نحتاج إلى وقت".

ولفت حلاق إلى أن الفكرة الأساسية أن معدل الفقر زاد، وارتفع لحدود ٩٠ بالمئة نتيجة لما تقدم ذكره، والسبب بعد التحرير هو تغيير عادات الاستهلاك، وفرص استثمار تم الحديث عنها لم تتبلور حتى الآن بشكل واضح، وهذا سبب خلل في المنظومة الاقتصادية، وبالتالي نحن بحاجة اليوم لإعادة ضبط هذا المخرجات بشكل كامل.

التشاركية الحكومية والمجتمعية

وأكد حلاق أن العمل ليس عمل حكومي فقط لاغير، بل يجب أن يعمل عليه على الصعيد الحكومي والصعيد المجتمعي، فلمجتمع الأعمال رأيه في هذا الموضوع، ويجب تخصيص رأيه من خلال الندوات والحوارات، واللقاءات التلفزيونية وسواها، يشجع على إعادة ضبط أنماط الاستهلاك، وإعادة الترشيد، واستهلاك المواد المحلية، ودعم الصناعة المحلية، والمنتج المحلي، لكن بنفس الوقت بحاجة للطرف الآخر إلى حكومة اقتصادية تسعى بشكل كبير للمساعدة والمساهمة في هذا المجال، بعيدا عن العواصف، والبدء بخطوات كبيرة وجبارة من خلال التكاتف بين الحكومة الاقتصادية، وقطاع الأعمال بشراكة وتشاركية حقيقية ملموسة والأمر يتطلب وقت، وهو ليس بالصعب للوصول إلى بر الأمان.


مقالات ذات صلة

ul

أكثر من 177 ألف لاجئ سوري عادوا إلى بلدهم من الأردن

كشفت مفوضية شؤون اللاجئين في الأردن أن أكثر من 177 ألف لاجئ سوري عادوا إلى بلادهم طوعاً خلال عام واحد.
9
ul

منخفض جوي شديد الفاعلية.. أمطار غزيرة وثلوج ورياح شديدة

تشهد البلاد اليوم الأربعاء وغداً الخميس منخفضاً جوياً شديد الفاعلية يتمركز قرب قبرص نتيجة النزول القطبي نحو الحوض الشرقي للبحر المتوسط، ما يؤدي إلى تشكل تيارات رطبة غربية، ويبدأ تأثيره من هذا الصباح بهطولات مطرية غزيرة مصحوبة بالعواصف الرعدية والبرد في الساحل، ويمتد سريعاً إلى الشمال والشمال الشرقي، حيث تكون حلب وإدلب الأكثر تأثراً.
31
وزارة التعليم العالي السورية

الجامعة الافتراضية تقدم مكافآت مالية للمنح المنشورة باسمها

قررت الجامعة الافتراضية السورية منح مكافآت مالية للمدرسين والباحثين ضمن الجامعة لقاء الأبحاث المنشورة ضمن قاعدة بيانات "scopus" التي تنشر باسم الجامعة فقط وفقاً للتصنيف.
42
الحدود البرية التركية السورية

لإتمام أعمال صيانة فنية.. إيقاف العمل في جميع المنافذ الحدودية مع تركيا

أعلنت الهيئة العامة للمنافذ والجمارك بأن العمل في جميع المنافذ الحدودية مع الجمهورية التركية سيتوقف مؤقتاً لمدة 24 ساعة.
43
المناطق الحرة

السماح بإدخال السيارات الموجودة في المناطق الحرة والموانئ وفق ضوابط جديدة ولمدة 30 يوماً

أصدرت اللجنة الوطنية للاستيراد والتصدير القرار رقم /4/ لعام 2025، القاضي بالسماح بإدخال السيارات الموجودة حالياً في المناطق الحرة والمنافذ الحدودية والموانئ غير المنسقة لرقم الهيكل على المنصة الإلكترونية.
83
سيرياون إعلان 7