سياسي

أسماء الأسد.. إمبراطورية فساد تحت ستار الإنسانية

47
ul

في عالم السياسة حيث تُباع الوجوه وتنقلب الخطابات تبعًا للمصلحة، تبرز أسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري السابق بشار الأسد، كرمز معاكس لكل معاني النزاهة والمساءلة. أسماء نجحت عبر سنوات في بناء صورة ذات بريق إنساني، لكنها في الواقع كانت أحد أضلعه الأكثر قوة في منظومة فساد عميقة لعبت دورًا مركزيًا في إدامة نفوذ نظام الأسد وإعادة إنتاج ثرواته بالطرق السياسية والاقتصادية التي تثير التساؤل والانتقاد الدولي والعربي.

منذ تولّيها منصب السيدة الأولى، حاولت أسماء أن تُصوَّر كناصرة للقضايا الإنسانية والتنموية، مستخدمة ذلك كغطاء لما كان في الحقيقة مشروعًا طويلًا لبناء إمبراطورية اقتصادية وسياسية وراء الكواليس. تحت "الأمانة السورية للتنمية"، المؤسسة التي أسستها عام 2007 وتحوّلت تحت إشرافها إلى ذراع اقتصادي وسياسي ضخم، تمكنت من الاحتفاظ بموارد ضخمة تحت سيطرتها، بما فيها المساعدات الدولية التي كان من المفترض أن تعود لمن هم في أمسّ الحاجة إليها داخل سوريا.

رغم أن المؤسّسة وُصِفت في بداياتها بأنها منظمة غير ربحية تهدف إلى دعم المجتمع المدني والعمل التنموي، فإن الامتداد التنظيمي الفعلي لها كشف أنها كانت تستخدم كأداة للدعاية والسيطرة الاقتصادية. فـ"الأمانة" جمعت تحت لوائها العديد من المبادرات، فصارت قوة تهيمن على جزء كبير من أنشطة المجتمع المدني، وتحدّ من فرص المنظمات المستقلة في الوصول إلى التمويل الدولي، ما مكّن أسماء الأسد من تحويل المساعدات والتبرعات إلى شبكة مصالح اقتصادية.

وعلى المستوى الدولي، لم تغب هذه الاتهامات عن أروقة صنع القرار. ففي عام 2020، فرضت الولايات المتحدة عقوبات مباشرة على أسماء الأسد وشبكات مقربة منها ضمن قانون “قيصر” الذي يستهدف شبكة النظام الاقتصادي والسياسي في سوريا. العقوبات طالت ليس فقط أسماء نفسها، بل أيضًا أقاربها وشركاء أعمال يُعتقد أنهم يمارسون أنشطة تجارية وسياسية باسمها أو لصالحها، بما في ذلك حملات علاقات عامة وأنشطة تجارية عبر شركات وشبكات مرتبطة بمؤسستها.

ولم تقتصر الاتهامات على مجرد السيطرة الاقتصادية، فقد وردت تقارير أن شبكة أسماء الأسد لعبت دورًا في الاستفادة من موارد الدولة لصالح مأرب مرتبطة بنظام الأسد عبر التلاعب في سلسلة توزيع الغذاء والوقود والتجارة في قطاعات حرجة، ما يضعها في قلب اتهامات تتعلق بالتآزر مع منظومة فساد واسعة ومتجذرة في مؤسسات الدولة.

وحتى داخل سوريا، لم تسلم هذه الشبكات من التداعيات. في ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلنت السلطات السورية الجديدة حل مجلس الأمناء السابق لـ"الأمانة السورية للتنمية" وتشكيل لجنة لإعادة هيكلة المؤسسة ووضع حوكمة جديدة لها، في خطوة جاءت ضمن محاولات لفصل إرث النظام السابق عن هيكل الدولة الحالي، مع الإشارة إلى أن المؤسسة نفسها كانت لعبت دورًا أكبر من دورها التنموي المفترض، سواء في توجيه الموارد أو في السيطرة على الحسابات البنكية والإدارة المالية.

القصص عن أسماء الأسد لا يقتصر على تقارير اقتصادية فحسب، بل يصل إلى مستوى نقد الخطاب السياسي والمعنوي الذي تبنته عبر السنوات؛ ففي حين ظهرت في بعض المناسبات الدولية كوجه انثوي رقيق يرتدي الثوب الإنساني، كانت وراء هذا القناع شبكة متداخلة من العلاقات الاقتصادية والسياسية التي عززت موقعها داخل النظام وأسهمت في تثبيت سلطة حزب البعث القديمة عبر أدوات نفوذ جديدة.

وبالنظر إلى المسار التاريخي الكامل، نجد أن أسماء الأسد صُنّفت في بعض التحليلات بـ"واحدة من أسوأ المستفيدين من الحرب السورية"، ليس فقط بسبب أنها أحد أعمدة السلطة، بل أيضًا لقيامها بتوسيع شبكات نفوذها لتشمل القطاعات الاقتصادية الحيوية والسيطرة على مؤسسات كانت ينبغي أن تكون مستقلة، ما ترك أثراً واضحًا في تركيبة السلطة والثروة في سوريا لعقود مضت.

في نهاية المطاف، تبقى أسماء الأسد مثالاً صارخًا على الطريقة التي يمكن للشخصيات المحيطة بالسلطة أن تحوّل العمل الإنساني إلى أداة سياسية واقتصادية تخدم أهدافها الخاصة، وتستفيد من الفوضى والاستبداد لبناء إمبراطورية نفوذ خلف مظلة الوجوه الناعمة.


مقالات ذات صلة

أحمد الشرع ومظلوم عبدي

دمشق وقسد يسابقان الزمن لإنجاح اتفاق آذار

ذكرت وكالة رويترز، أنَّ حكومة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية تسعيان جاهدتان لإنجاح اتفاق آذار قبل انتهاء المدة المحددة.
3
رون ديرمر

ليحل مكان ديرمر.. ممثل جديد للمفاوضات الإسرائيلية السورية

كشفت "القناة 12" الإسرائيلية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عازم على استبدال رون ديرمر، الممثل الإسرائيلي للمفاوضات مع سوريا بشخص جديد.
3
وزارة الخارجية الأردنية

الأردن: إلغاء قانون قيصر يحقق تطلعات الشعب السوري

قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأردنية فؤاد المجالي، في بيان اليوم، إنَّ إلغاء قانون قيصر عن سوريا، يحقق تطلعات الشعب السوري ويشكل خطوة مهمة بدعم جهود سوريا في إعادة البناء.
11
ul

بينهم "أبو عمشة".. أبرز المعلومات عن الأفراد المشمولين بالعقوبات البريطانية

فرضت بريطانيا عقوبات على أفراد ومنظمات متورطة في أعمال عنف ضد المدنيين في سوريا.
32
ul

كيف أثّر "قيصر" على حياة السوريين اقتصادياً وسياسياً؟

عانى السوريون لسنوات عدة من العقوبات الاقتصادية المفروضة على بلدهم والمتمثلة بقانون "قيصر".
55
سيرياون إعلان 7