شهدت الساحة السورية تحولًا استثنائيًا في التعاون الأمني مع انضمام دمشق إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، ما يفتح أفقًا جديدًا لعلاقة استراتيجية بين الحكومة السورية والقوات الأميركية وشركائها الإقليميين.
القيادة الوسطى الأميركية كشفت أن قواتها وشركاءها نفذوا منذ تموز نحو 80 عملية استهدفت خلايا التنظيم، أسفرت عن مقتل 14 إرهابيًا واعتقال 119 آخرين خلال الأشهر الستة الماضية. كما تم إحباط محاولات تنظيم الدولة لإعادة تنظيم صفوفه وشن هجمات على مستوى العالم.
تعاون الشهر الماضي شمل تنسيقًا مباشرًا مع دمشق لتحديد مواقع تضم أسلحة للتنظيم، أسفر عن تدمير أكثر من 130 صاروخًا وقذيفة وأسلحة أخرى، في خطوة غير مسبوقة تؤكد جدية التحالف الجديد في محاربة الإرهاب داخل سوريا وخارجها.
المراقبون يرون أن هذه الشراكة قد تعيد رسم خريطة النفوذ العسكري والسياسي في المنطقة، وتفتح المجال أمام تحالفات مستقبلية قائمة على المصالح الأمنية المشتركة، بعيدًا عن الصراعات التقليدية.
في سياق أوسع، يأتي هذا التطور في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات عميقة في أولويات الفاعلين الدوليين، حيث بات ملف مكافحة الإرهاب، ولا سيما تنظيم الدولة الإرهابي، نقطة التقاء نادرة بين أطراف كانت على طرفي نقيض طوال سنوات النزاع السوري. فبعد إعلان التحالف الدولي هزيمة “تنظيم الدولة” جغرافيًا عام 2019، حذّرت تقارير استخباراتية أميركية ودولية من أن التنظيم ما زال يحتفظ بخلايا نائمة وقدرات محدودة تمكّنه من شن هجمات خاطفة أو إعادة التموضع في مناطق صحراوية يصعب ضبطها.
البيانات الصادرة عن القيادة الوسطى الأميركية (CENTCOM) تشير إلى أن العمليات الأخيرة ركزت على استهداف البنية التحتية المتبقية للتنظيم، بما في ذلك مخازن السلاح، شبكات التمويل، وطرق الإمداد، في محاولة لحرمانه من أي فرصة لإعادة بناء قوته. ويُعد التنسيق المباشر مع دمشق في هذا الإطار تطورًا لافتًا، إذ لم يقتصر التعاون على تبادل معلومات استخباراتية غير معلنة، بل امتد إلى تنسيق ميداني لتحديد أهداف دقيقة داخل الأراضي السورية، وهو ما انعكس في تدمير كميات كبيرة من الصواريخ والقذائف والمواد المتفجرة.
من الناحية السياسية، يرى محللون أن هذا التعاون لا يعني بالضرورة تحالفًا استراتيجيًا شاملًا بين دمشق وواشنطن، بقدر ما يعكس تقاطع مصالح مؤقتًا فرضته طبيعة التهديد المشترك. فالإدارة الأميركية، غيرت موقفها السياسي وقاربت علاقتها بسوريا الجديدة وفق قانون المصالح لذلك هي تجد في محاربة تنظيم الدولة أولوية أمنية تتجاوز الحواجز السياسية، فيما تسعى دمشق إلى تأكيد دورها كشريك فاعل في مكافحة الإرهاب، بما يعزز موقعها الإقليمي والدولي ويفتح الباب أمام تعزيز شرعيتها.
إقليميًا، قد يكون لهذا التقارب المحدود تأثير على موازين القوى، خصوصًا في ظل تراجع حدة بعض الصراعات وعودة التركيز على الاستقرار الأمني ومنع عودة التنظيمات المتطرفة. كما أن نجاح هذا التنسيق قد يشجع أطرافًا أخرى على تبني مقاربة براغماتية قائمة على المصالح الأمنية المشتركة بدل الاصطفافات التقليدية.
مع ذلك، تبقى تحديات عديدة قائمة، أبرزها هشاشة الثقة بين الأطراف المعنية، وتعقيدات المشهد السوري، واحتمال استغلال التنظيم لأي فراغ أمني أو خلاف سياسي لإعادة الظهور. كما أن مستقبل هذا التعاون سيظل مرهونًا بقدرته على تحقيق نتائج ملموسة ومستدامة على الأرض، وبمدى فصله عن الملفات الأخرى.
في المحصلة، يمثل هذا التطور محطة مفصلية في مسار مكافحة تنظيم الدولة داخل سوريا، وقد يشكل نموذجًا لتعاون أمني غير تقليدي تفرضه التهديدات العابرة للحدود.
وبينما لا تزال ملامح هذه الشراكة في طور التشكّل، فإنها تعكس واقعًا جديدًا عنوانه أن محاربة الإرهاب باتت أولوية قادرة، ولو مؤقتًا، على تجاوز جدران المبادئ السياسية وإعادة رسم خطوط التفاعل في المنطقة.
سياسي
دمشق وواشنطن: شراكة غير مسبوقة في مواجهة تنظيم الدولة الإرهابي
76

مقالات ذات صلة

إلقاء القبض على رأس شبكة لصوص المتحف الوطني بدمشق
أعلنت وزارة الثقافة السورية أن الأجهزة المختصة ألقت القبض على رأس شبكة لصوص الآثار المتورطين في سرقة قطع أثرية من قاعة الكلاسيك في المتحف الوطني بدمشق الشهر الماضي، مؤكدة أن التحقيقات المشتركة مع وزارة الداخلية واستعادة تسجيلات المراقبة قادت إلى كشف تفاصيل العملية.
3

دمشق وقسد يسابقان الزمن لإنجاح اتفاق آذار
ذكرت وكالة رويترز، أنَّ حكومة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية تسعيان جاهدتان لإنجاح اتفاق آذار قبل انتهاء المدة المحددة.
3

ليحل مكان ديرمر.. ممثل جديد للمفاوضات الإسرائيلية السورية
كشفت "القناة 12" الإسرائيلية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عازم على استبدال رون ديرمر، الممثل الإسرائيلي للمفاوضات مع سوريا بشخص جديد.
3

معاون وزير الداخلية يطلع على واقع المتدربين المعادين للخدمة بطرطوس
اطلع معاون وزير الداخلية للشؤون الأمنية اللواء عبد القادر طحّان، برفقة قائد الأمن الداخلي في المحافظة العقيد عبد العال عبد العال، على واقع المتدربين المعادين إلى الخدمة ومستوى جاهزيتهم وانضباطهم في البرامج التدريبية.
4

مجلة "ذي إيكونوميست" تختار سوريا دولة العام 2025
اختارت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية سوريا دولة العام 2025، ضمن تقليدها السنوي الذي يسلّط الضوء على الدولة التي استطاعت تحقيق أكبر قدر من التحسّن خلال العام.
9
