محلي

هل تعمل سوريا على تجاوز إرث الفساد؟ وكيف تحسّن ترتيبها على مؤشر مدركات الفساد؟

13
ul

خاص ـ سيريا ون

في خضم مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في الدوحة، يعلن رئيس الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش في سوريا أن مكافحة الفساد خيار استراتيجي لا رجعة فيه.

في الوقت نفسه، يُظهر مؤشر مدركات الفساد لعام 2024 أن سوريا ما تزال واحدة من أكثر الدول فساداً في العالم، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول فعالية هذه الاستراتيجيات وآفاق تحسين وضعها الدولي.

وفي هذا السياق، يرى المحلل السياسي المختص بالقانون الجنائي الدولي والعلاقات الدولية المعتصم الكيلاني في حديث خاص لموقع (سيريا ون) أن "تصريحات رئيس الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش تُظهر نية سياسية للتغيير، لكنها لا تعني تلقائياً تطابق الأداء الفعلي مع المعايير الدولية إلا إذا رافقتها إصلاحات قانونية ومؤسسية ملموسة وشفافة"
الفساد لا يُعد مشكلة فنية أو قضائية فحسب، بل هو قضية سياسية، اقتصادية، واجتماعية على حدٍّ سواء، ويؤثر على جودة الحكم، كما يضعف النزاهة المؤسسية ويُقوّض ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة.

ويذهب بعض الخبراء إلى أن الفساد يُعد من العوامل الأساسية التي تُعرقل التنمية الشاملة وتُفاقم عدم المساواة، ما يؤدي بدوره إلى تفكك النسيج الاجتماعي ويُهدد الاستقرار طويل المدى.

وفي السياق السوري، تأتي تصريحات عامر العلي، رئيس الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، في مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الذي انعقد في العاصمة القطرية الدوحة الاسبوع الماضي، لتؤكد أن الحكومة تعي مستوى الأزمة، وأن مكافحة الفساد أصبحت جزءاً من رؤية مؤسسية لإعادة بناء الدولة على قواعد الحكم الرشيد وسيادة القانون.

سوريا في مؤشر مدركات الفساد لعام 2024

وفق مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، جاءت سوريا في مرتبة متأخرة عالمياً مع نحو 12 نقطة فقط من أصل 100 في تصوّر مستوى الفساد في القطاع العام لعام 2024، وهو من أدنى المعدلات في العالم
ويؤكد الكيلاني أن "سوريا تُعد من بين الأسوأ عالمياً في انتشار الفساد، إذ احتلت المرتبة الرابعة من بين الدول الأكثر فساداً بالعالم"، مضيفاً أن "هذا يعكس استمراراً لواقع فساد مؤسساتي واسع النطاق يمتد لعقود، حيث يعتبر الفساد في سوريا ظاهرة مزمنة ارتبطت بنظام ما قبل سقوط الأسد وبنيان الدولة الذي طالته الشبكات غير الشفافة والمحسوبية"
ويتابع: "رغم التحسن الطفيف (من 13 إلى 12 نقطة يعني تحسناً بسيطاً إذا اعتُبر عكسياً)، يبقى الوضع العام كارثياً من حيث التصورات الدولية بشأن الفساد".

يعكس هذا الترتيب واقعاً يتجاوز التقارير الرسمية والخطابات، إذ يبين المؤشر استمرار الفساد كمؤشر هيكلي في المؤسسات وفي الإدارة العامة، والمقارنة مع متوسط الدرجات العالمية (43 من 100) يُظهر مدى الفجوة بين سوريا ومعظم دول العالم في مكافحة الفساد.

في السياق الإقليمي، يظل الفساد مشكلة متجذرة عميقاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع تقدم ضئيل على مدى السنوات الماضية، ما يضع سوريا في مجموعة من البلدان التي تواجه تحديات كبيرة في بناء نظم فعّالة للمساءلة والشفافية.

ماهي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد؟

اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC) هي أول اتفاقية دولية شاملة تهدف إلى مكافحة الفساد على المستويين الوطني والدولي، وتشمل مجموعة من الالتزامات حول منع الفساد، التحقيقات، العقوبات، استرداد الأصول، وتعزيز الشفافية والمساءلة.

ويشرح الكيلاني أن "الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد (UNCAC) هي أول معاهدة دولية متعددة الأطراف لمكافحة الفساد، اعتمدتها الأمم المتحدة عام 2003 ودخلت حيز التنفيذ عام 2005، وهي ملزمة للدول الأطراف بتطبيق قواعد محددة للوقاية من الفساد، وتجريم الأفعال الفاسدة، وتعزيز التعاون الدولي، واستعادة الأصول المنهوبة".

ويضيف أن أهدافها الأساسية تشمل "تعزيز النزاهة والشفافية والمساءلة في القطاعين العام والخاص، وتعزيز الإجراءات الجنائية ضد الفساد، ودعم التعاون الدولي في التحقيقات واستعادة العائدات غير القانونية"، مشيراً إلى أن عناصرها الأساسية تتضمن "وقاية الفساد، التجريم، والتعاون الدولي واستعادة الأصول".

هل تعد المشاركة السورية بداية إصلاح؟

من خلال مشاركتها في مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بصفتها عضو مراقب، تسعى سوريا إلى انخراط أكبر في الأطر الدولية لمكافحة الفساد، وربما الاستفادة من الأدوات الدولية في هذا المجال، لكن إشراك سوريا في الاتفاقية لا يعني تلقائياً تغيّراً في الواقع المحلي، إذ يتطلب تنفيذ بنود الاتفاقية إصلاحات عميقة في التشريعات والمؤسسات الوطنية، وهو ما يتطلب وقتاً وجهداً وتعاوناً واسعاً مع المجتمع المدني.

هل يمكن تحسين ترتيب سوريا على المؤشر؟ العوامل والمعوقات

تحسين تصنيف سوريا في مؤشرات مثل مؤشر مدركات الفساد لا يعتمد فقط على الخطابات الرسمية أو المشاركة في المؤتمرات، بل على إجراءات ملموسة داخلية تشمل: تعزيز استقلال القضاء ومؤسسات الرقابة والإشراف، وحماية المبلغين عن الفساد ومكافحة الإفلات من العقاب، وزيادة الشفافية في التعاملات المالية العامة والعقود الحكومية، إصلاح القطاع العام وتقليل البيروقراطية والسلطة المطلقة على الصفقات والإجراءات.

وفي هذا السياق يفصّل الكيلاني هذه الإجراءات بثلاثة محاور رئيسية:

أولاً: "تطوير التشريعات المحلية بما يتماشى مع المعايير الدولية، من خلال سن وتحديث قوانين مكافحة الفساد لتعريف الأفعال الفاسدة بوضوح، وتغليظ العقوبات، وحماية المُبلّغين عن الفساد، وتكريس استقلال القضاء والهيئات الرقابية بحيث لا تكون خاضعة للسلطة التنفيذية"

ثانيًا: "تنفيذ آليات دولية مُعتمدة، وتحديداً تطبيق الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد، التي تفرض التزامات قانونية ملزمة للدول الأطراف، بما في ذلك تجريم الرشوة، اختلاس الأموال العامة، الاتجار بالنفوذ، وغسل الأموال، إلى جانب التعاون الدولي في استعادة الأصول المنهوبة، وتدابير الوقاية مثل مكافحة تضارب المصالح وإجراءات الشفافية في القطاعين العام والخاص"

ثالثًا: "تعزيز آليات استقلال الرقابة والمساءلة، من خلال إنشاء هيئات رقابية مستقلة حمايةً من التأثيرات السياسية، وتمكين المجتمع المدني والإعلام من دور رقابي فعال، مع ضمان أمن ونزاهة التحقيقات"

ولكن، هناك معوقات واضحة أمام تحقيق هذا التحسن، من بينها: استمرار ضعف آليات المساءلة، غياب الحرية الصحفية الفعالة، والثقة المتدنية بين الجمهور والمؤسسات، مما يجعل تحقيق تقدم سريع على المؤشر أمراً صعباً في المدى القصير"


الفساد والاقتصاد: حلقة مفرغة

الفساد لا يعرقل فقط المبادئ الأخلاقية للحكم، بل له انعكاسات اقتصادية مباشرة.
ويشير الكيلاني إلى أن "سوء تخصيص الموارد، وانخفاض الإنتاجية الاقتصادية، وهدر الثروة الوطنية، كلها نتائج مباشرة للفساد، إذ تُحوّل الأموال العامة إلى جيوب أفراد أو شبكات سياسية بدلاً من توجيهها نحو الخدمات العامة والتنمية"
وعلى المستوى الدولي، أشارت تقارير إلى أن الفساد يحد من الاستثمارات، يخلق بيئة مشبوهة غير مستقرة تجارياً، ويُقلل من فرص النمو الاقتصادي المستدام.
وفي سياق سوريا، حيث يتقاطع الفساد مع عقود من النزاعات والتراجع الاقتصادي، فإن تأثيراته أكثر عمقًا، من تضخم التكاليف الحكومية إلى عدم القدرة على جذب الاستثمار، ما يسهم في مزيد من تراجع الخدمات العامة ويُعمّق شعور عدم المساواة بين المواطنين.

التأثير السياسي والاجتماعي.. زعزعة الثقة وتهديد الاستقرار

تنعكس الأزمات الاقتصادية على المشهد الاجتماعي، مما يزيد من الإحباط علاوة على تراجع الثقة في المؤسسات.
ويضيف الكيلاني أن "الفساد يزعزع الثقة بمؤسسات الدولة، ويُكرّس أنظمة المحسوبية، ويُرسّخ عدم المساواة أمام القانون والفرص، ما يؤدي إلى شعور المواطنين بالظلم وسوء توزيع العدالة، ويُفاقم التوترات الاجتماعية وقد يؤدي إلى نزاعات"
هذه الآثار تتسق مع المعايير الدولية التي تربط بين الفساد وانهيار الحوكمة الرشيدة والتنمية المستدامة

خارطة الطريق: بين النظرة الدولية والواقع

بينما تؤكد تصريحات المسؤولين السوريين أن مكافحة الفساد أصبحت أولوية استراتيجية، فإن التقييم الخارجي من خلال مؤشر مدركات الفساد يشير إلى أن التحولات الواقعية ما زالت في بدايتها، والمشاركات في المحافل الدولية مثل مؤتمر الأمم المتحدة يمكن أن تكون خطوة أولى، لكنها ليست بديلاً لإصلاحات مؤسسة في الداخل
تحسين ترتيب سوريا في المؤشر ليس مجرد مسألة ترتيب عالمي، بل يعكس ثقة المستثمرين، جودة الإدارة العامة، واستدامة التنمية، وفي غياب هذه الإصلاحات، قد تستمر سوريا في مواجهة صعوبات في التغلب على إرث الفساد الذي طال أمده، ويفرض المزيد من العقبات أمام بناء مؤسسات قوية وفعّالة.

ويؤكد المحلل السياسي المختص بالقانون الجنائي الدولي والعلاقات الدولية المعتصم الكيلاني أنه "رغم الإعلان الرسمي السوري عن مكافحة الفساد كخيار استراتيجي، لا تزال البلاد تحتل مرتبة متدنية جداً في مؤشر مدركات الفساد، مما يدل على تحديات عميقة في التطبيق المؤسسي للقانون"

ويضيف: "تحسين ترتيب سوريا يتطلب تطبيق معايير دولية ملزمة، تعديل القوانين المحلية، تعزيز استقلال القضاء، وإشراك المجتمع المدني بفعالية"، مشيراً إلى أن "الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد (UNCAC) توفر إطاراً قانونياً دولياً قوياً يمكن أن يدعم جهود الحكومة الانتقالية في ترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة"

بين الطموح الرسمي في مكافحة الفساد، والواقع المؤسسي الذي يُظهره مؤشر مدركات الفساد، تقف سوريا أمام تحدٍ كبير ومعقد، فالمشاركة في اتفاقيات دولية مهمة، لكنها تتطلب تنفيذاً فعلياً داخل وطن يعاني من إرث اقتصادي واجتماعي وسياسي طويل من الفساد المستشري.


وفي ظل هذه التحديات، يبقى السؤال متجدداَ: هل تستطيع سوريا فعلاً تحويل الاستراتيجيات الخطابية إلى نتائج ملموسة على الأرض؟


مقالات ذات صلة

ul

لتعزيز التعاون في مجال اللقاحات البيطرية وتأهيل المخابر.. مباحثات سورية هنغارية

بحث وزير الزراعة أمجد بدر مع القائم بأعمال السفارة الهنغارية بدمشق استفان جيولا شوش، سبل تطوير التعاون الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، والبحوث الزراعية، وإعادة تفعيل الاتفاقيات الموقعة سابقاً بين سوريا وهنغاريا بهذا الشأن.
17
ul

انطلاق فعاليات معرض الملابس السوري التخصصي التصديري

انطلقت اليوم الاثنين، على أرض مدينة المعارض بدمشق فعاليات معرض الملابس السوري التخصصي التصديري، (دورة موسم ربيع وصيف 2026)، الذي تنظمه غرف الصناعة والتجارة في دمشق وحلب، برعاية وزارة الاقتصاد.
25
ul

رغم تعهّدات الإغلاق.. رويترز تؤكد: عودة سجون سيئة السمعة في دمشق إلى العمل

بعد تعهّدات رسمية بإغلاق مراكز الاحتجاز، كشفت معطيات جديدة عن إعادة تشغيل سجون اشتهرت بانتهاكات جسيمة في سوريا، وسط موجة اعتقالات جديدة واتهامات بظروف احتجاز قاسية، وفق تحقيق أجرته وكالة رويترز.
48
ul

استقرار نسبي بسعر صرف الدولار في دمشق اليوم مقابل الليرة السورية

شهد سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية في دمشق استقراراً نسبياً خلال تعاملات اليوم.
117
ul

"صوتك وصل".. خطوة رقمية جديدة لتسهيل خدمات وزارة الداخلية السورية

في خطوة تُعدّ متقدمة على صعيد تحديث الإدارة العامة في سوريا، أطلقت وزارة الداخلية السورية تطبيقها الرقمي الجديد “صوتك وصل”
113
سيرياون إعلان 7